Lina H Hanna

Lina H Hanna

Friday, September 17, 2010

هل كل ما هو غريب ، مريب؟



الغير المألوف ... الخارج عن اطاره، هو الذي يصعب علينا أن نفهمه أو ندرجه تحت تحديد ما أو تعريف معين، ومعظمنا لا يحب ما لا يفهم أو ما يتحدى مفهومنا لما هو متعارف عليه ،نعجب لكل ما هو غريب ونأخد مسافةً منه معتبرينه ضرباً من الجنون في حالته السلبية أو عبقريةً صارخة في حالته الإيجابية ، ولكن في كلتا الحالتين يستحوذ على اهتمامنا ويشغل حيزاً كبيراً من تفكيرنا.

الهارب من المنطق له منطق خاصٌ به دون سواه ، المتفلت من أغلال المألوف والمعهود، الثائر على سجن التقاليد، المتحرر من هيمنة مجتمع المتشابهين ليكون إنسان لا يشبهه أحد سوى نفسه ، يستفزنا لأنه يذكرنا بضعفنا ، بأننا لسنا بشجاعته ولا بثقته بنفسه لنجرؤ أن نكون مختلفين عن سائر خلق الله، فإما نرجمه بحجار الجنون والدونية أو نرى فيه نجاحاً فشلنا أن نسجله فنكون دفاعه ومشجعيه ضد معنفيه.

الغرابة هي لأقوياء النفوس الذين يقدسون حريتهم في التعبير عن أنفسهم . الذين لا يحتاجون إلى بركة الأكثرية لكي يشرعون انفرادهم وفرديتهم في عالم تغتال العولمة فيه كل ما هو خاص وكل ما له روحٌ يتميز بها عن سائر الناس ليصبح الكون بأسره لون واحد ونغمةٍ واحدة فتسيطر الرتابة والمكننة على البشر؛ هل هذا التوافق الإجتماعي بيئة صحيحة للعبقرية والإبداع؟ أوليس الجمود والركود الإجتماعي دليلاً على موت المجتمع؟ هل يستطيع النهر أن ينساب دون أن تجري مياهه تاركةً مصدرها لتصب في مكانٍ أخر بعيدا عن منبعها؟

لطالما كانت الغرابة المحرك الأساسي الذي دفع البشرية إلى التطور والإكتشافات ، بعد أن إنتقد التاريخ "المجانين" الذين يعقلون بجنونهم ، ويدحضون الواقع ومعطياته الراهنة ليقلبوا الموازين والمعايير الكلاسيكية ، لأنهم يرون الأمور بشكلٍ مختلف، لأنهم يتمردون على القواعد ، مؤمنين بالتغيير ، محتفلين بالمختلفين ، سائرين بنا إلى الأمام لأنهم أعداء الوقوف في مكانٍ ثابت ، عدائين في الحياة.

هؤلاء الذين تطلقون رصاص الجهل عليهم هم الأسوياء وأنتم أيها القانعون الراضون بحياة الجماد والرماد أنتم الغير أسوياء في ادمغتكم المقفلة المعلبة الجاهزة للتفكير دون التساؤل في إمكانية التغيير والتطور.

هؤلاء هم الذين يغيرون العالم ، هم الذين يدفعوا البشرية إلى الوثب في المجهول ليغزوه ويحولوه إلى ما هو معلوم لكي نستفيد منه ونوظفه لمنفعة الإنسان.

هم يعيشون جنون المعرفة ، معرفة أن طريقةً واحدة فقط لا تكفي لتحصيل المعرفة ، بل هناك طرق عدة لا بد أن تكتشف جميعها . هم المتيقظين الساهرين لكي يحرقوا زيت منتصف الليل ليضيئوا به ظلمة جهل البشرية في مجتمع النائمين !

لينا حنا حنا

No comments:

Post a Comment